سورة المؤمنون - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


{وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ} أي المصير إلى الآخرة، {وَأَتْرَفْنَاهُمْ} نعمناهم ووسعنا عليهم، {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} أي: مما تشربون منه. {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} لمغبونون. {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} من قبوركم أحياء وأعاد {أنكم} لما طال الكلام، ومعنى الكلام: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون؟ وكذلك هو في قراءة عبد الله، نظيره في القرآن: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها} [التوبة- 63]. {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} قال ابن عباس: هي كلمة بعد، أي: بعيد ما توعدون، قرأ أبو جعفر {هيهات هيهات} بكسر التاء، وقرأ نصر بن عاصم بالضم، وكلها لغات صحيحة فمن نصب جعله مثل أين وكيف، ومن رفع جعله مثل منذ وقط وحيث، ومن كسر جعله مثل أمس وهؤلاء، ووقف عليها أكثر القراء بالتاء، ويروى عن الكسائي الوقف عليها بالهاء. {إِنْ هِيَ} يعنون الدنيا، {إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} قيل فيه تقديم وتأخير، أي: نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث بعد الموت. وقيل: يموت الآباء ويحيا الأبناء. وقيل: يموت قوم ويحيا قوم. {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} بمنشرين بعد الموت. {إِنْ هُوَ} يعني الرسول، {إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين بالبعث بعد الموت. {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}.


{قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ} أي: عن قليل، وما صلة، {لَيُصْبِحُنَّ} ليصيرن، {نَادِمِينَ} على كفرهم وتكذيبهم. {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} يعني صيحة العذاب، {بِالْحَقِّ} قيل: أراد بالصيحة الهلاك. وقيل: صاح بهم جبريل صيحة فتصدعت قلوبهم، {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} وهو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان شجر، معناه: صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض، {فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ} أي: أقواما آخرين. {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} أي: ما تسبق أمة أجلها أي: وقت هلاكها، {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} وما يتأخرون عن وقت هلاكهم. {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أي: مترادفين يتبع بعضهم بعضا غير متواصلين، لأن بين كل نبيين زمانا طويلا وهي فعلى من المواترة، قال الأصمعي: يقال واترت الخبر أي أتبعت بعضه بعضا، وبين الخبرين هنيهة.
واختلف القراء فيه، فقرأ أبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو: بالتنوين، ويقفون بالألف، ولا يميله أبو عمرو، وفي الوقف فيها كالألف في قولهم: رأيت زيدا، وقرأ الباقون بلا تنوين، والوقف عندهم يكون بالياء، ويميله حمزة والكسائي، وهو مثل قولهم: غضبى وسكرى، وهو اسم جمع مثل شتى، وعلى القراءتين التاء الأولى بدل من الواو، وأصله: وترى من المواترة والتواتر، فجعلت الواو تاء، مثل: التقوى والتكلان.
{كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} بالهلاك، أي: أهلكنا بعضهم في إثر بعض، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي: سمرا وقصصا، يتحدث من بعدهم بأمرهم وشأنهم، وهي جمع أحدوثة. وقيل: جمع حديث. قال الأخفش: إنما هو في الشر، وأما في الخير فلا يقال جعلتهم أحاديث وأحدوثة، إنما يقال صار فلان حديثا، {فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}.


{ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي بحجة بينة من اليد والعصا. وغيرهما. {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا} تعظموا عن الإيمان، {وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} متكبرين قاهرين غيرهم بالظلم. {فَقَالُوا} يعني فرعون وقومه، {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} يعني: موسى وهارون، {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} مطيعون متذللون، والعرب تسمي كل من دان للملك: عابدا له. {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} بالغرق. {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} التوراة، {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي لكي يهتدي به قومه. {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} دلالة على قدرتنا، ولم يقل آيتين، قيل: معناه شأنهما آية. وقيل: معناه جعلنا كل واحد منهما آية، كقوله تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها} [الكهف- 33]. {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} الربوة المكان المرتفع من الأرض، واختلفت الأقوال فيها، فقال عبد الله بن سلام: هي دمشق، وهو قول سعيد بن المسيب ومقاتل، وقال الضحاك: غوطة دمشق. وقال أبو هريرة: هي الرملة. وقال عطاء عن ابن عباس: هي بيت المقدس، وهو قول قتادة وكعب. وقال كعب: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. وقال ابن زيد: هي مصر. وقال السدي: أرض فلسطين. {ذَاتِ قَرَارٍ} أي: مستوية منبسطة واسعة يستقر عليها ساكنوها. {وَمَعِينٍ} فالمعين الماء الجاري الظاهر الذي تراه العيون، مفعول من عانه يعينه إذا أدركه البصر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8